المناضل الصغير... تقديم كتاب محمد حسين النجفي
د. محمد عبد الرضا شياع
لقد قرّحت سنوات القلق السياسي، لا سيما في البلدان النامية، أنامل الأطفال قبل عيونهم، قهراً من دون اختيار، ولكن قليلاً من الأطفال سلكوا هذا الطريق مختارين بوعيهم المتقدّم، وإن لم تكن سنوات القهر قد نالت من عوائلهم، بالشكل الذي يجعلهم ينتهجون هذا السبيل، الصديق المفكّر الحر محمد حسين النجفي، واحد من هؤلاء المختارين، قرأ مبكراً بقلبه الساخن، وبعقله الهادئ محجّات السفر إلى منابع الحرية البعيدة، وإن كانت هذه المحجّات معمّدة بالمعاناة، حتى إن سياط السلطة الزمنية المتجبّرة الغاشمة، لم تقف حائلاً أمام ذلك الفتى المراهق، المؤمن بقدره إيمانه بانتمائه السياسي، وكأنه آخر حاملي لوائه، لاحقاً بكبار المناضلين الذين سبقوه للتضحية والفداء، متقدّماً الذين سيلحقون به.

لقد تطوّع إلى حمل رسالة سلام بصحبة الذين يكبرونه سناً، ولا يتقدّمون عليه إيماناً بحرية الإنسان وعيشه الرغيد، فاقتيد إلى المعتقل السياسي دون مراعاة عمره، عومل مثل ما عومل رفاقه الكبار، وعندما سنحت له فرصة مغادرة المعتقل بتدخل، متشفعين بحداثة سنه، قدّم مقاربة مغايرة تليق بمناضل صغير، يعلّم الكبار الثبات أمام غضبة السلطة، وقبضة السجّان.

كبر هذا الفتى وكبرت أحلامه معه في بناء وطن وسعادة شعب، حتى أضحى أستاذاً جامعياً في ظلّ سلطة حاكمة في الثوب ذاته، ولكن بعصا أغلظ، وقلب أشد قسوة، فهل بدأت تخبو أضواء أحلام يقظته، بعد أن بدأت تعادي الشوارعُ الشوارعَ، وتخشى البيوتُ البيوتَ، فيما ضاق أفق الحلم في أرجاء الكون؟ وكيف أضحت مسيرة مناضلين في الزمن القاسي، والروحُ تعتصرُ الروحَ بأنامل الخوف والتأمّل؟

اخترق المناضلون المديات، منهم من ذهب باحثاً عن ملاذ يبث أفكاره من هناك، يحمل مشعل الحرية والتحرر، مبتعدين عن إراقة الدماء، ومنهم من سحقتهم آلة السلطة الشمولية سحقاً، عانقوا الموت مبتسمين ابتسامة العاشق لمعشوقته، مواجهين حرارة الموت وظلم الظالم، منتظرين ضوء الفجر وإن كان بعيداً.